تايتل نيوز - متابعة
لم تمنع حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الصحافي الفلسطيني مُثنى النجار من مواصلة عمله، رُغم الواقع الميداني المُتفاقم سوءاً يوما بعد يوم.
ويعيش الصحافيون الفلسطينيون في قطاع غزة أزمات مركبة وواقعاً ميدانياً صعباً، بفعل الاستهداف الإسرائيلي المُباشِر لهم ولمكاتبهم ولمقار مؤسساتهم الإعلامية، سواء المحلية أو الدولية، وكذلك لمنازلهم ولعائلاتهم، وذلك منذ اليوم الأول للعدوان. كما استهدف الاحتلال الإسرائيلي كل المقومات التي تسمح للصحافيين بممارسة عملهم، من خلال قصف شبكات الاتصال وتعطيل الإنترنت، إلى جانب تحجيم قدرتهم على الحركة عبر منع دخول الوقود اللازم لتشغيل مركباتهم، أو المولدات الكهربائية لتشغيل أجهزتهم وصناعة موادهم الإعلامية. وفي هذا الوقت، تتعاظم الضغوط النفسية على الصحافيين الفلسطينيين القلقين على أنفسهم وعلى عائلاتهم.
الصحافي مثنى النجار: أشعر وكأن أطرافي ترتعش وأنا أكتب المادة الصحافية
يقول الصحافي مُثنى النجار، إنه فقد نحو 44 شخصاً من عائلته، و13 من أقارب زوجته، وآخرين من جيرانه، إلى جانب 22 شخصاً من أقاربه لا يزالون تحت الرُكام منذ ما يزيد عن 20 يوماً، لافتاً إلى الانعكاسات السلبية لذلك الواقع على عمله، خاصة في ظل نزوحه، وكذلك نزوح أقاربه، وإقامتهم في الخيم ومدارس اللجوء، في ظروف قاسية وصعبة.
ويلفت النجار إلى أن الضغوط على الصحافيين الفلسطينيين من كل النواحي، سواء من الطائرات الحربية، أو الصواريخ، أو حتى الخوف المتواصل على الأهل والأقارب والجيران. ويقول: "أشعر وكأن أطرافي ترتعش وأنا أكتب المادة الصحافية، بسبب تراكم الأحداث، ومشاهد العُنف، إلى جانب الضغوط العائلية والأُسرية (...) الأمر خرج عن وصفه بكلمة صعوبة، أشعر أنني مقيد الحركة، وبت غير قادر على تصوير أي فيديو مُباشر خشية الاستهداف".
ويوضح أن "كل ما تعلمناه في الجامعات، والدورات التدريبية، رأينا عكسه على أرض الواقع، بفعل الحرب المجنونة، والظروف الصعبة وغير المسبوقة، إذ لا يوجد حماية للصحافيين أو عائلاتهم، كما لا يتم توفير أي حقوق، أو ظروف موائمة لعملنا".
وعلى الرغم من قتامة الواقع المعقد الذي يتزايد فيه الاستهداف الإسرائيلي للمدنيين الفلسطينيين، وفي مقدمتهم الأطفال والنساء والطواقم الإعلامية وطواقم الإسعاف والدفاع المدني، فإن التغطية لا زالت مستمرة من أجل نقل الرواية الفلسطينية للعالم، وفقاً للنجار.
الصحافي عمرو أبو ندى: بعد مجزرة جباليا خارت قواي وتساقطت دموعي
لم تكن الأوضاع أفضل حالاً عند الصحافي الفلسطيني عمرو أبو ندى الذي ترك بيته في شمال قطاع غزة مُنذ اليوم الأول للعدوان، نحو مُستشفى الشفاء، لمواصلة التغطية الميدانية حيث "كانت الأوضاع صعبة بفعل الغارات الجوية القريبة، والأصوات الهائلة للقصف والانفجارات".
ويلفت أبو ندى، إلى تدرُج صعوبة الأوضاع الميدانية نحو الأسوأ خلال التغطية الصحافية داخل مُجمع الشفاء، وصولاً إلى الخوف الحقيقي لحظة استهداف الاحتلال البوابة الرئيسية، ثم قصفه مبنى القدس داخل مجمع الشفاء، وبعد ذلك استهداف خيمة الصحافيين مباشرة، ما دفعه إلى التوجه للتغطية في المنطقة الوُسطى، في رحلة نزوح مُرهقة، قضى مُعظمها مشياً على الأقدام، بعد 35 يوماً من التغطية داخل المُجمع.
ويوضح أبو ندى أنه تعرض ومُنذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي لمُختلف أنواع الضغوط العملية والنفسية، بسبب المشاهد العامة للقصف والدمار، كذلك مشاهد الدماء والأشلاء والمعاناة المتفاقمة للمدنيين، وأبرزها المجزرة الدموية في المستشفى المعمداني، ومجزرة مسجد السوسي غربي مدينة غزة، كذلك مجزرة جباليا "حينها خارت قواي، وتساقطت دموعي".
ويُتابع: "لحظة مُعايشتي لأي مجزرة أو حدث خلال عملي، كان قلقي يتوزع على ذاتي، وعلى مصير أهلي، خاصة في ظل المطالبة الإسرائيلية بضرورة الإخلاء نحو المناطق الوسطى والجنوبية لقطاع غزة، ثم استهداف حافلة تضم نازحين. كنت في أسوأ حالاتي، من دون أن أتمكن حتى من مهاتفتهم للاطمئنان عليهم بسبب رداءة الاتصالات".
ويشير إلى أن الواقع الصعب انعكس بظلاله على جودة التغطية الميدانية لانشغال عقول الصحافيين بأهلهم وبسلامتهم وبمدى توفر المواد الغذائية الخاصة بهم في ظل نفادها من الأسواق، وتزامن ذلك مع مواصلة التغطية الإعلامية، والمُساعدة قدر الإمكان على ايصال صورة وحقيقة ما يجري للعالم الخارجي.
الصحافي يحيى اليعقوبي: ما يحصل وصمة عار على جبين قوانين حقوق الانسان
يلفت الصحافي الفلسطيني يحيى اليعقوبي إلى حالة الخطر التي تُحيط بالصحافيين الفلسطينيين، وسط ظروف عمل صعبة وقاهرة، مُستدِلاً خلال حديثه مع "العربي الجديد" بموقف طالبته فيه العائلة التي نزح إليها بالتوقف عن العمل الصحافي خوفاً على أطفالهم.
ويوضح اليعقوبي أن كل صحافي فلسطيني عرضة للاستهداف المباشر، بفعل التأثير القوي للكلمة والصورة التي توضح تفاصيل معاناة الفلسطينيين، ويقول: "هذه طامة كبرى ووصمة عار على جبين قوانين حقوق الانسان التي كفلت حرية العمل الصحافي، وحرية التعبير عن الرأي".
ويلفت إلى انخفاض نسبة المواد الإعلامية المكتوبة والمُصورة بفعل التقييد الكبير على مواقع التواصل الاجتماعي، وانعدام الأمن، والإمكانات، ما اضطر نسبة كبيرة من الصحافيين إلى الاعتذار عن العمل بسبب عدم قدرتهم على الإيفاء بالتزاماتهم، أو بتسليم المواد الصحافية في الوقت المطلوب.
الصحافية خولة الخالدي: الصحافيون يُحاربون على عدة جبهات
الصحافية الفلسطينية خولة الخالدي فقد اضطرت إلى ترك بيتها في منطقة المُخابرات شمال غرب مدينة غزة منذ بداية العدوان، والذي تعرض بعد ذلك للتدمير الكامل، في رحلة معاناة شاقة، انتهت بها إلى العمل من داخل مستشفى شهداء الأقصى، وسط قطاع غزة، في محاولة لمواصلة التغطية الميدانية.
وتقول الخالدي: "قمت بتغطية كل الحروب السابقة. كنا نُشاهد مكان الحدث، ونعود إلى المكاتب، حيث نفرّغ المادة ونرسلها. كانت لدينا كل الإمكانيات اللازمة للعمل، سواء شبكة الإنترنت أو مستلزمات أساسية، أو حتى مقومات الحياة الطبيعية من غذاء وماء. لم نكن نقلق على توفير تلك المستلزمات لنا أو لأسرنا".
وتضيف: "لحظة استهداف منزل أي صحافي في الحروب السابقة كان يُمكنه التوجه إلى أي مكان آخر لاحتوائه، لكننا في هذه الحرب الشرسة فقدنا بيوتنا، والأماكن التي يُمكننا اللجوء إليها، إلى جانب أننا فقدنا الأمن الشخصي في ظل الاستهداف المباشر للصحافيين، كما فقدنا الأمان على أسرنا وأطفالنا الذين يعيشون حرباً مرعبة وغير مسبوقة".
وتلفت إلى المعاناة الإضافية التي بات يعيشها عدد كبير من الصحافيين الذين يُحاربون على عدة جبهات كإعلاميين وكأولياء أمور، إذ يرجعون بعد يوم عمل شاق للمبيت في أماكن النزوح التي تفتقد أدنى مقومات الحياة، في ظل الضعف الشديد في شبكات الاتصال والإنترنت واللوجستيات والمُستلزمات الضرورية.
لكن الخالدي تؤكد: "نمتلك الإرادة لنكمل المشوار، لأننا مؤمنون برسالتنا، وعدالة قضيتنا، وبحتمية المهنة التي تُشبه عمل الطبيب الذي يعمل حتى آخر رمق في حياته، سنحمل القلم والميكروفون حتى آخر نَفَس فينا، إلى أن تُحدث رسالتنا الصوت والصدى".
الصحافيون في غزة في مرمى نيران الاحتلال
استشهد وفق الإحصائية الأخيرة للمكتب الإعلامي الحكومي نحو 96 صحافياً مُنذ بدء العدوان الإسرائيلي، فيما بينت نقابة الصحافيين الفلسطينيين فقدان صحافيين اثنين، واعتقال العشرات بينهم مدير مكتب "العربي الجديد" في غزة الزميل ضياء الكحلوت، وإصابة ما يزيد عن 80 صحافياً، واستهداف منازل عائلات أكثر من 60 صحافياً، وتدمير مقار نحو 60 مؤسسة ومكتبا صحافيا، وتعطيل عمل 24 إذاعة محلية.
وعلى الحدود اللبنانية، قتلت القوات الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر، هم عصام العبدالله (رويترز) وفرح عمر وربيع المعماري (الميادين).