"بلومبيرغ" تتطرق الى تأثير "المقاطعة" على الشركات الداعمة لاسرائيل: تستهدف المتواطئين

  • A+
  • A-

 تايتل نيوز -  بغداد

تصاعدت وتيرة دعوات مقاطعة منتجات شركات الدول الداعمة لإسرائيل، خاصة الأميركية في المنطقتين العربية والإسلامية، منذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهو ما بدأ يؤتي ثماره خاصة أن الشباب الذين يمثلون غالبية السكان هم من يقودون حملات المقاطعة. كما أن المقاطعة تقوي منافسين محليين للشركات متعددة الجنسيات العملاقة.

وقالت وكالة "بلومبيرغ" في تقرير لها من دول عربية وإسلامية عدة، إن "المقاطعة باتت اتجاه ينتشر في أجزاء من الشرق الأوسط وحتى خارجه"، مشيرة إلى أن الشباب الذين قادوا هذه الحملات "مدفوعين بالغضب ضد الولايات المتحدة وأوروبا لعدم بذل مزيد من الجهد لحمل إسرائيل على إنهاء هجومها على غزة".

وأضافت الوكالة أن "العديد من المتسوقين في المنطقة وكذلك الدول الإسلامية، مثل باكستان، باتوا يتجنبون العلامات التجارية الأجنبية الكبرى، مما يؤدي إلى تثبيط مبيعات بعضها".

وأشارت إلى أن المقاطعة "ردة فعل عنيفة تعكس حقبة جديدة من إدارة الأزمات لأكبر العلامات التجارية الاستهلاكية في العالم، وخاصة الأميركية"، منوهة بأنه رغم "إصدار الشركات بيانات عامة للتأكيد على حيادها السياسي، فإن حركة المقاطعة اكتسبت زخماً ثابتاً خلال الأشهر الثلاثة التي تلت بدء الحرب".

وقال فواز جرجس، أستاذ سياسات الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد، إن "المقاطعة الحالية لافتة للنظر بشكل خاص، لأنها مكثفة وعابرة للحدود الوطنية وتقودها مجموعات من الشباب".

وأضاف جرجس، أنه حتى الآن فإن  "ماكدونالدز و ستاربكس، ما زالوا يتألمون من دعوات المقاطعة"، مشيراً إلى أن سبب ذلك يعود لأن "الشباب الذين ينفقون بكثرة يدركون ما يحدث وتداعيات حملات المقاطعة على تلك الشركات".

وأكد أن "دعم واشنطن إسرائيل يؤثر حقاً في هذه الشركات، لأن أميركا متورطة، والمديرون التنفيذيون جزء من هذه الإمبراطورية الأميركية، وهي إمبراطورية تجارية ومالية فضلاً عن إمبراطورية القوة الناعمة".

وتنبع أهمية قيادة الشباب حملات المقاطعة، في أنهم يمثلون غالبية السكان وهم الفئة الأكثر استهلاكاً لمثل هذه العلامات التجارية في المنطقة، مما يدعم نمو أعمال الشركات المالكة التي تواجه في الدول المتقدمة حالة من الإشباع وعدم نمو الطلب.

تركيز على عدد قليل من العلامات التجارية 

ومن أسباب نجاح المقاطعة أيضاً رغم عمومية الدعوات، تركيز القائمين عليها على علامات تجارية محددة، مما أدى إلى ظهور الأثر السريع لها على أعمال تلك الشركات.

ودعت حركة مقاطعة إسرائيل المعروفة باسم (BDS) الجمعة لـ"تكثيف الجهود نحو مقاطعة العدو الإسرائيلي، وسحب الاستثمارات منه، وفرض العقوبات عليه، لمحاسبة الدول والشركات والمؤسسات المتواطئة في الإبادة الجماعية، والمساهمة الفعالة في تفكيك نظام الاستعمار الاستيطاني والأبارتهايد الإسرائيلي الممتدّ لأكثر من 75 عاماً".

وقالت في بيان سابق لها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بعنون "ماذا نقاطع؟.. لنصعد حملاتنا من أجل وقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة" إن "الكثير من الشركات العالمية، وضمن البنية العالمية للاقتصاد (الرأسمالية العنصرية)، شريك في حرب الإبادة الجماعية التي يشنها العدو الإسرائيلي اليوم على شعبنا في غزة المحاصرة، وبعض هذه الشركات مرتبط بالاقتصاد الإسرائيلي بدرجات متفاوتة".

ودعت إلى التركيز على "مبدأ المقاطعة المستهدفة، والتي تعني التركيز على عدد محدّد من الأهداف الأكثر تواطؤاً والأكثر أهمية، من أجل مضاعفة الأثر، لا على المقاطعة غير المستهدفة".

وقالت: "يجب علينا أن نركز بشكل استراتيجي على عدد أقل نسبياً من الشركات والمنتجات المختارة بعناية لتحقيق أقصى قدر من التأثير وحيث توجد إمكانية حقيقية للنجاح في الحملة".

ثمار المقاطعة

نجحت حملات المقاطعة في التأثير سريعاً بكثير من الشركات المالكة للعلامات التجارية أو وكلائها الإقليميين، وحذر الرئيس التنفيذي لشركة ماكدونالدز، كريس كيمبكزينسكي، في تصريحات حديثة، من أن شركته تشهد "تأثيراً تجارياً ملموساً في الشرق الأوسط، بسبب انتشار المعلومات الخاطئة حول شركته"، بحسب تعبيره.

أصبحت ماكدونالدز هدفاً للمقاطعة في أجزاء من المنطقة، بعد أن أظهرت الصور ومقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي "المتاجر صاحبة امتياز ماكدونالدز في  إسرائيل تقدم وجبات الطعام لجنود إسرائيل بعد هجوم 7 أكتوبر".

وبعد ذلك، أصدر صاحب الامتياز في السعودية بيان أعرب فيه عن تعاطفه مع الفلسطينيين وتبرع بمبلغ مليوني ريال سعودي (533 ألف دولار) لجهود الإغاثة في غزة. واتخذ أصحاب الامتياز في بلدان أخرى ذات أعداد كبيرة من المسلمين إجراءات مماثلة.

وقالت الشركة إن "ماكدونالدز لا تمول أو تدعم أي حكومات متورطة في هذا الصراع". مشيرة إلى أن "أصحاب الامتياز المستقلون يديرون أعمالهم في المنطقة، ويتخذون قراراتهم الخاصة".

وأكدت "ستاربكس" في بيان، أننا "ليس لدينا أجندة سياسية. نحن لا نستخدم أرباحنا لتمويل أي عمليات حكومية أو عسكرية في أي مكان، ولم نفعل ذلك قط"، مؤكدة أنها لا تملك "محلات في إسرائيل".

كما انخفضت أسهم مطاعم "أمريكانا إنترناشيونال بي إل سي" - مشغل الامتياز في الشرق الأوسط لمطاعم "كنتاكي" و"بيتزا هت" و"كريسبي كريم" و"هارديز"، بما يصل إلى 27% في البورصة السعودية في الأشهر التي تلت بدء الحرب، مع توقع بعض المحللين حدوث ضربة قوية لأرباحها بسبب المقاطعة.

وتوقع فهد عرفان قريشي، كبير المحللين في "الجزيرة كابيتال"، أن "تشهد مطاعم أمريكانا، أكبر مشغل لسلاسل المطاعم الأميركية في الشرق الأوسط، تأثيراً سلبياً قصير المدى على المبيعات والأرباح من المقاطعة".

وقال إن ذلك "يقود الأداء السلبي للأسهم"، مضيفاً أن "الأرباح يجب أن تتعافى في نهاية المطاف".

ووعدت أمريكانا، في بيان، بتقديم تفاصيل عن أداء أعمالها في نتائجها القادمة للعام بأكمله 2023.

كما قال مارك كالينوفسكي، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة كالينوفسكي لأبحاث الأسهم إنه "في بعض الأحيان، يختلف الناس مع سياسة الولايات المتحدة، فما هي الطريقة التي ينفسون بها عن غضبهم؟" أجاب قائلاً إن "إحدى الطرق هي التوقف عن الشراء من العلامات التجارية التي يقع مقرها الرئيسي في أميركا". 

وأضاف أن "الضربة الحالية للمبيعات يمكن أن تقلل من شهية أصحاب الامتياز للتوسع في أجزاء من الشرق الأوسط، على الرغم من أن التنويع الجغرافي للعلامات التجارية مثل ماكدونالدز سيحد من التأثير على النتائج الإجمالية".

وصرح غاريت نيلسون، محلل صناعة المشروبات في شركة "كوكا كولا"، بأن "تأثير دعوات المقاطعة سيصبح أكثر وضوحاً عندما تعلن شركات المشروبات الغازية الأميركية عن أرباحها في فبراير/ شباط المقبل".

وأكدت "بلومبيرغ" أن العلامات التجارية الأوروبية مثل سلسلة المتاجر الكبرى الفرنسية كارفور، التي دخلت إسرائيل العام الماضي عبر شراكة مع وكيل محلي، ظهرت أيضاً على قائمة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات.

وتوجد سلسلة متاجر كارفور في 9 دول بالشرق الأوسط، بما في ذلك الأردن ومصر عبر شريك محلي أيضاً. 

تزايد مبيعات المنتج المحلي

لم تقتصر تبعات دعوات المقاطعة على تراجع مبيعات شركات الدول الداعمة للعدوان الإسرائيلي في المنطقة فقط، بل أنعشت المنتجات المحلية البديلة.

وقال عدد من الشركات المحلية في الشرق الأوسط إنها تستفيد من دعوات مقاطعة العلامات التجارية الأجنبية.


وصرح مؤسس سلسلة مقاهي إسطرلاب في الأردن معاذ فوري، بأنه "يستبعد المنتجات الأميركية والفرنسية قدر الإمكان عبر سبعة فروع في عمّان ويستورد بعض المكونات من دول داخل المنطقة".

وأضاف فوزي لـ"بلومبيرغ" أن "أعماله ازدهرت بعد تزايد دعوات المقاطعة، حيث ارتفعت المبيعات بنسبة 30% في بعض المواقع مع مقاطعة السكان مقاهي ستاربكس".

وفي مصر، شهدت شركة "سبيرو سباتيس"، وهي علامة تجارية محلية للمشروبات الغازية عمرها 100 عام، والتي كانت تكافح من أجل إحياء شعبيتها المتضائلة، ارتفاعاً كبيراً في المبيعات خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وفقاً ليوسف عطوان، مديرها التجاري.

وقال عطوان: "فجأة تلقينا طلبات من محلات السوبر ماركت والمطاعم، وكنا نحاول جاهدين تلبية الطلب... سيذهب العملاء إلى المطاعم ويسألون عن علامتنا التجارية أو على الأقل يرفضون المشروبات المدرجة في قائمة المقاطعة".

وقالت الشركة إن "مبيعاتها تضاعفت ثلاث مرات منذ بدء الحرب لأن المستهلكين يتجنبون كوكا كولا وبيبسي".

أبرز دعوات المقاطعة في المنطقة

وعبر استطلاع، قامت به الوكالة في عدد من دول المنطقة، خاصة ذات الكثافة السكانية العالية، أظهرت وجود تيار عام داعم للمقاطعة.

ففي مصر، قال عدد من الشباب إنهم توقفوا منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عن الذهاب إلى مقهى "ستاربكس" الشهير والمنتشر في الأوساط الشبابية.

وفي القاهرة، في أحد أيام الأسبوع الأخيرة، كانت العشرات من متاجر ستاربكس وماكدونالدز المزدحمة عادةً والتي زارتها "بلومبيرغ"، تبدو فارغة تماماً.

وقالت الطالبة نيرة أحمد: "أنا وأصدقائي، اعتدنا أن نذهب إلى ستاربكس طوال الوقت، والآن من العار أن تتم رؤيتك في أحد تلك الأماكن".

وأكدت أن "هذا أقل ما يمكننا القيام به"، متسائلة "لماذا أشتري من هذه الشركات الغربية؟". 

وتعد مصر أكبر دولة في المنطقة من حيث عدد السكان، حيث يبلغ عدد سكانها أكثر من 105 ملايين نسمة، وتقل أعمار 60% من سكانها عن 30 عاماً.

من جانبها، قالت سارة المصري، وتعمل مديرة مشروع في منظمة ثقافية، إنها "غيرت عاداتها الاستهلاكية تماماً منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة".

وأضافت أن "علامتها التجارية المفضلة للأجهزة اللوحية لغسالة الأطباق كتنت فيري- Fairy-، التي تصنعها شركة بروكتر آند غامبل - Procter & Gamble- لكن منذ أكتوبر، توقفت عن شراء المنتج، الموجود أيضًا على قائمة المقاطعة".

وأشارت إلى أنها في إطار بحثها عن بديل، أعطاها أحد أقاربها وصفة لتحضيرها في المنزل، حيث تقوم الآن بخلط صودا الخبز وحمض الستريك وصابون الأطباق وتعبئتها في صينية مكعبات الثلج لصنع صابون غسيل الأطباق الخاص بها. 

وفي الأردن، لا تزال العديد من متاجر "ستاربكس" و"ماكدونالدز" فارغة إلى حد كبير على الرغم من بدء المقاطعة في أكتوبر. وعادة لا يرى المارة سوى المقاعد والأكشاك الفارغة التي يشغلها العمال، مع وجود الصرافين متراخين على طاولاتهم. كما تحمل محلات السوبر ماركت في الأردن علامات معلقة على عدد كبير من العلامات التجارية الأجنبية تصفها بـ "البضائع المقاطعة". 

وفي منطقة الخليج، شهدت منافذ "ستاربكس" التي كانت مزدحمة من قبل في الكويت، تدفقات قليلة من العملاء منذ أوائل أكتوبر، كما عززت المقاطعة مبيعات المقاهي المحلية.

اقتصاد دولي

وفي الإمارات، اختار بعض أصحاب الأعمال الصغيرة اتخاذ موقف، حيث استبدل مطعم بيت مريم في دبي جميع المشروبات الغازية بعلامات تجارية محلية في أوائل أكتوبر. وقال متحدث باسم الشركة إن عملاءها يدعمون التغيير.

وفي السعودية، ظلت العديد من منافذ السلاسل الأميركية التي زارتها "بلومبيرغ"  فارغة إلى حد كبير. 

وامتدت دعوات المقاطعة إلى الدول الإسلامية الكبرى، مثل باكستان، حيث جرى تداول ملصقات تصف العلامات التجارية الكبيرة المتعددة الجنسيات، بما في ذلك العلامات التجارية الأميركية مثل بيبسي وكوكا كولا، باعتبارها منتجات إسرائيلية.

وفي تركيا، دعا بعض المسؤولين إلى مقاطعة شركة كوكا كولا. وبينما لا يزال المشروب متاحاً على نطاق واسع في محلات السوبر ماركت والمطاعم، قال البرلمان التركي في نوفمبر إنه سيزيل الكولا من الكافيتريات.

كما انخفضت مبيعات شركة توزيع كوكاكولا في تركيا، بنسبة 22% في الربع الرابع من 2023، وهو ما يثير قلق هذه الشركات في دولة مثل تركيا.