العراق: جهود إصلاح القطاع المصرفي في مواجهة التحديات الاقتصادية

  • A+
  • A-

 تايتل نيوز -  بغداد


بقلم/  حسين شمارة

تواجه الحكومة العراقية مجموعة من التحديات الاقتصادية العميقة، حيث يمثل القطاع المصرفي أحد المجالات الحيوية التي شهدت جهودًا إصلاحية كبيرة تهدف إلى تحقيق الاستقرار المالي والنقدي. في هذا الإطار، تم تنفيذ عدة إجراءات استراتيجية تشمل فرض قيود على السحب من العملة الأجنبية، خفض قيمة الدينار، وزيادة أسعار الفائدة. تأتي هذه الخطوات كجزء من خطة شاملة لإعادة هيكلة البنوك المملوكة للدولة عبر عمليات اندماج وبيع حصص للقطاع الخاص، وإغلاق البنوك المتعثرة، وتعزيز الرقابة على القطاع المصرفي.

بالرغم من أن هذه السياسات قد أسفرت عن تحقيق بعض الاستقرار في النظام المصرفي، إلا أنها واجهت تحديات مستمرة تتعلق بالتضخم، نقص السيولة، وارتفاع الديون العامة. بحسب تقارير البنك الدولي، بلغت نسبة الدين العام في العراق حوالي 59.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، مما يعكس الحاجة الملحة لتبني سياسات مالية أكثر فعالية.

من جهة أخرى، أدى التحول الإلكتروني في التعاملات المالية إلى تعزيز ثقة المجتمع الدولي بالنظام المصرفي العراقي. فقد ساهم هذا التحول في تحسين الشفافية والكفاءة، مما جعل النظام المصرفي أكثر جاذبية للمستثمرين الدوليين. وفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة التمويل الدولية (IFC) لعام 2022، فإن زيادة استخدام التكنولوجيا المالية في العراق يمكن أن تعزز النمو الاقتصادي بمقدار ثلاثة بالمئة خلال السنوات القادمة.

وفي ما يتعلق بمشكلة ارتفاع سعر الدولار ووجود السوق الموازي، فقد تبنت الحكومة عدة إجراءات للحد من هذه الظاهرة. ومع ذلك، هناك حاجة لخطوات إضافية لتحقيق استقرار أكبر في سعر صرف الدولار، مثل تعزيز الثقة في الدينار العراقي عبر سياسات نقدية متزنة، واستقرار الأسعار، وإدارة الديون العامة بشكل فعال. يمكن أن تسهم زيادة عائدات النفط وترشيد الإنفاق الحكومي في تعزيز الوضع المالي للعراق، اذ بلغ مجموع إيرادات النفطية للعراق خلال النصف الأول من العام الجاري أكثر من 60 مليار دولار، حسب ما أظهرت بيانات نشرتها وكالة الأنباء العراقية. وشهدت الإيرادات النفطية نمواً مضطرداً على مدى الأشهر الستة الأولى من السنة، حيث انتقل من 8 مليارات و322 مليون دولار في شهر كانون الثاني (يناير)، إلى أكثر من 11.5 مليار دولار في حزيران (يونيو) الماضي.

إنَّ تعزيز بيئة الاستثمار الأجنبي وتطوير التدفقات المالية من خلال سياسات متوازنة، والعمل مع دول الجوار لتنسيق سياسات سعر الصرف وتقليل التقلبات الحدودية. جميعها خطوات ضرورية تساعد وتعزز الجهود الحكومية للرقابة المالية ومكافحة غسل الأموال وتشجع على خلق مناخ استثماري آمن.

وفي عالم تهيمن التكنولوجيا فيه على حياتنا اليومية، تسهم المنصات الإلكترونية بشكل كبير في تسهيل حصول التجار ورجال الأعمال العراقيين على الدولار، مما يقلل الاعتماد على السوق السوداء. هذه المنصات تقدم أسعار صرف تنافسية، مما يتيح وفورات ملحوظة للتجار ويساعد في تقليل عمليات غسل الأموال والتهريب. ومع ذلك، يتطلب تحقيق هذه الأهداف تنظيمًا وإشرافًا مستمرين من السلطات النقدية لضمان فعالية تلك المنصات في أداء دورها بشكل سليم ومستدام.

إحدى الخطوات البارزة هي الإشراف الشخصي لرئيس الوزراء على ملف إعادة هيكلة وتنظيم المصارف الأهلية، وهو ما يعزز ثقة المواطنين في القطاع المصرفي ويحسن حوكمة الشركات والممارسات التشغيلية للمصارف. يساعد هذا الإشراف على تعزيز الشفافية والمساءلة داخل القطاع المصرفي، مما يقلل من المخاطر النظامية ويحقق استقرارًا ماليًا أكبر.

بصفة عامة، يعكس اهتمام الحكومة العراقية بإصلاح القطاع المصرفي سعيًا جادًا نحو تحقيق الاستقرار المالي وتعزيز الثقة في النظام الاقتصادي. ومع استمرارية هذه الجهود، فإن دعم البنك المركزي العراقي ومؤسسات التمويل الدولية سيكون حاسمًا في تعزيز النجاح المستقبلي لهذه الإصلاحات، وبالتالي دفع عجلة التنمية الاقتصادية في العراق إلى الأمام.